ماذا يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لصناعة السيارات؟

في أوروبا، لا صوت حاليًّا يعلو فوق الاستفتاء على بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في ما يُعرف باسم Brexit، وهو الذي عقد في ٢٣ حزيران (يونيو) من العام الجاري. وبعيدًا عن القرار نفسه سواء ارتضى الناخبون البريطانيون البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي حاليًّا، فإن مثل هذا الاستفتاء سلّط الضوء على أهمية صناعة السيارات اليابانية تحديدًا في السوق الإنكليزية، لا سيما أن نيسان وتويوتا تملكان مصنعين كبيرين في المملكة المتحدة يصدران من خلالهما عروضهما إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي، مستغلين انضمام ذلك البلد المهم إلى هذا الاتحاد منذ عام ١٩٧٣، وما يحمله هذا الأمر من مزايا تصديرية وتجارية لهما.

وفقًا للبند رقم ٥٠ من معاهدة الاتحاد الأوروبي، يحقّ لأي عضو من أعضاء الاتحاد الأوروبي أن يقرر الانسحاب من الاتحاد؛ كلّ حسب متطلباته واحتياجاته الدستورية الخاصة، وهو ما استغلته بريطانيا لإجراء استفتاء دستوري على فكرة البقاء ضمن مظلة الاتحاد الأوروبي من عدمه، وقد تسير دولة أخرى من الدول الأوروبية على النهج البريطاني ذاته إذا ما قرر الشعب الإنكليزي الخروج من الاتحاد، أو تلجأ المملكة المتحدة لإجراء استفتاء آخر في المستقبل، إذا ما قرر الشعب البريطاني البقاء في الاتحاد الأوروبي القوي.

لكن، دون شك، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يمثّل خطرًا فقط على أسواق المال الأوروبية، وإنما يُمثّل “خطرًا كبيرًا محدقًا” يواجه أسواق المال العالمية كذلك، وفقًا لبنك إنجلترا المركزي في خطوة تحذيرية من مغبة الغموض التي قد تكتنف فترة ما بعد الاستفتاء الذي عقد مؤخرًا!

وإذا ما قربنا العدسة نحو الشركات اليابانية الموجودة في بريطانيا، والتي يقدّر عددها بأكثر من ألف شركة متنوعة، فإن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي يهدد أعمال هذه الشركات، وهو ما دفع برئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” إلى تقديم مذكرة التماس إلى بريطانيا في أيار (مايو) الماضي، يحثّ مسؤوليها فيها على البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن الشركات اليابانية هناك توظف ما يقرب من ١٤٠.٠٠٠ عامل وموظف!

نيسان وتويوتا أكبر الخاسرين!

 

أعربت كل من نيسان وتويوتا عن تفضيلهما بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وإن رفض كل منهما المشاركة في أي حملة سياسية لدعم ذلك الخيار المحبب قبيل الاستفتاء المنعقد في ٢٣ حزيران (يونيو) الماضي.

وفي هذا السياق، صرح كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي لنيسان، بقوله: “إن هذا الأمر يعود كليًّا إلى البريطانيين وقرارهم بالبقاء أو الخروج من الاتحاد.”

وبالمثل، قال رئيس تويوتا موتور أوروبا “جون فان زيل”: “نحن نحترم أن العلاقات المستقبلية التي تربط المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي هي أمر يبت فيه الشعب البريطاني، ولا نية لدينا للمشاركة في أي حملات.”

وإن أكد المسؤولان التنفيذيان الكبيران على أهمية بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي؛ إذ قال “غصن”: “بالنسبة إلينا، وضع مستقر يعد أكثر إيجابيًّا من مجموعة من الأمور المجهولة،” في حين أوضح “فان زيل” بقوله: “نحن قلقون من أن يخلق الخروج من الاتحاد الأوروبي مزيدًا من التحديات التجارية.”

ورغم ذلك، علق “غصن” بقوله: “بينما نظل ملتزمين بقرار الاستثمار الحالي، لن نفكر في النتائج أو ماذا سيحدث في كلا السيناريوهين.”

يذكر أن نيسان توظّف مباشرة ما يقرب من ٨٠٠٠ عامل وموظف في مدن “لندن” و”كرانفيلد” و”ساندرلاند”، بالإضافة إلى ٣٢.٠٠٠ موظف وعامل آخرين بطريقة غير مباشرة، بينما يوظف مصنع تويوتا في “بيرناستون” ما يقرب من ٣٨٠٠ موظف وعامل.

وكانت تويوتا قد اعترفت بأن السبب الرئيسي وراء اختيارها بريطانيا عن سائر الدول الأوروبية لإقامة مصنعها “بيرناستون” بمدينة “ديربيشاير” في عام ١٩٩٢، يتمثّل في “الانفتاح وسهولة الوصول إلى الأسواق الأوروبية، فضلاً عن حرية الوصول إلى العمالة الماهرة المدربة.” وحاليًّا، جرى دمج مصنع “بيرناستون” بالكامل ضمن عمليات تويوتا الأوروبية، مع الأخذ في الاعتبار أن ٨ من أصل ١٠ سيارات نيسان و٩ من أصل ١٠ سيارات تويوتا التي يتم إنتاجها بالبلاد يتم تصديرها خارج المملكة المتحدة!

تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي

يمكن القول إن معارضي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وهم -تحديدًا- المسؤولون التنفيذيون الكبار لصانعي السيارات، يخشون من أن يسفر هذا الأمر عن فترة من الغموض وعدم اليقين، قد تجلب بدورها تعريفات جمركية عالية ومعوقات أخرى للتجارة تفسد مناخ الاستثمار في البلاد، لكن لم يؤكد مثلاً مسؤولو نيسان أو تويوتا وجود نية لإغلاق مصنعيْهما البريطانيين، إذا ما قرر الشعب الإنكليزي الخروج من الاتحاد الأوروبي!

ووفقًا للشعب البريطاني هناك وجهتا نظر لهذا الاستفتاء؛ إذ يرى منهم من يفضّل البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي أن صادرات السيارات التي تصنع وتجمع في البلاد ستتأثّر بشكل كبير وسيصعب معها النفاذ إلى أكبر تكتل تجاري في العالم، أي السوق الأوروبية الموحدة، وهو ما يعني تدهور معدلات الاستثمار والتوظيف في المملكة المتحدة، بينما يرى مؤيّدو الخروج من الاتحاد الأوروبي أن هذا القرار من شأنه أن يحرر الأعمال التجارية من الضوابط والقوانين التي تحكمها في ظل الاتحاد الأوروبي، كما سيتيح كذلك سرعة توقيع بريطانيا صفقات مع شركاء تجاريين آخرين شأن الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال.

لكن، لا جدال على أن صناعة السيارات ستتضرر بشدة في المملكة المتحدة إذا ما قرر مواطنوها الخروج من الاتحاد الأوروبي، ففي مصنع ساندرلاند لنيسان مثلاً، أنتج المصنع وحده قبل عامين سيارات أكثر من تلك التي يتم تجميعها وتصنيعها في إيطاليا كلها (ينتج المصنع تقريبًا ٥٠٠.٠٠٠ سيارة سنويًّا)، بل إن صناعة السيارات في تلك المدينة الإنكليزية أسهمت في القضاء على ظاهرة فقدان الوظائف في مجالات التعدين وبناء السفن، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية الأوروبية الأخيرة.

وبوجه عام، أسهمت عضوية الاتحاد الأوروبي في انتعاش صناعة السيارات البريطانية، وهو ما جعل الصانعين الأجانب يتهافتون على الاستحواذ على علامات السيارات البريطانية النخبوية، بما في ذلك لاندروفر وبينتلي وأستون مارتن ورولزرويس. وفي هذا السياق، فإن صانعي السيارات البريطانيين جرى إعفاؤهم من ١٠ في المئة من التعريفة الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات المستوردة من خارج الاتحاد. أيضًا، لا يدفع هؤلاء الصانعون أي تعريفات جمركية على المكونات المستوردة من داخل الاتحاد، وهو أمر مهم للغاية لصناعة تعتمد على جلب ٦٠ في المئة من قطع الغيار والمكونات من الخارج!

أيضًا، فإن صانعي السيارات الأجانب غالبًا ما كانوا يستغلون بريطانيا ويستخدمونها كمنصة انطلاق لتصدير السيارات إلى أوروبا؛ إذ توظف الصناعة ما يقرب من ٧٠٠.٠٠٠ عامل وموظف، كما أن ٤ من أصل كل ٥ سيارات تصنع في المملكة المتحدة يتم تصديرها، ومعظمها يتم تصديرها إلى الأسواق الأوروبية الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن المملكة المتحدة هي ثالث أكبر دولة تنتج سيارات في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وإسبانيا على الترتيب.

ولا يأتي التخوف من الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي ممثلاً في الصانعيْن اليابانيين وحدهما، بل أعربت كذلك فورد التي توظف ما يقرب من ١٤.٠٠٠ عامل في البلاد عن قلقها من خطورة الانفصال، كما أكد كل من بي إم في ودايملر- بنز على أن مثل هذه الخطوة ستسفر عنها تداعيات كبيرة لصناعة السيارات ككل.

وفي النهاية، وحتى إذا ما قرر الشعب البريطاني البقاء داخل أسوار الاتحاد الأوروبي، فإن شبح الخروج من الاتحاد الأوروبي سيظل مهيمنًا على صناعة السيارات ككل في المستقبل، لما يمثّله من تداعيات كارثية لا يمكن بحال من الأحوال تجاهلها، لا سيما مع وجود “البند ٥٠” ضمن معاهدة الاتحاد الأوروبي.

الإتحاد الاوروبيبريطانيا