فيروس كورونا… وتغيير وجه الكرة الأرضية

عجلة الاقتصاد تعاني والنتيجة كارثية

من حيث لم يكن احد على علم، ضرب فيروس كورونا ضربته القاسية في كافة القطاعات. مدن خالية، ناس خائفة، توقف المصانع في جميع أنحاء العالم، عمل من المنزل، عجلة الاقتصاد تعاني وتسير ببطئ شديد. النتيجة كارثية على المستويات كافة.

القصة بدأت من الصين عندما ضرب فيروس كورونا مدينة ووهان. في البداية تعاملت المجتمعات بخفة وعدم جدية لكن اليوم اختلف الوضع تمامًا، فالفيروس الذي اعتبره البعض بأنه مجرد إنفلونزا وتمر، اصبح وبسرعة البرق اكثر شراسة وفتكًا والدول التي تعاملت معه بقلة مسؤولية تعاني اليوم من مئات وآلاف الإصابات بعدما أصبح أكثر شراسة وشراً بعد أن وجد المكان الآمن له بالقارة الأوروبية التي أصبحت بؤرة خطرة ينتشر بها الفيروس بسرعة كبيرة، ومع استمرار انتشار الفيروس بأوروبا تتزايد مخاوف صانعي وتجار السيارات هناك من المصير الصيني.

 

ظهور الفيروس وانتشاره بقوة دفع بشركات السيارات بداية في الصين ولاحقاً في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ إجراءات فورية للحد من انتشار كورونا بالمصانع التابعة لها من بينها تويوتا وهيونداي ورينو وبي أم دبليو وفولكسفاغن وهوندا وڤولڤو ومجموعة PSA الفرنسية. كما توقفت بعض الشركات المغذية لصناعة السيارات عن العمل في الصين أبرزها شركة بريدجيستون للإطارات، وتوقفت بعض النشاطات المتعلقة برياضة السيارات مثل بطولة العالم في الفورمولا واحد والفورمولا E لموسم ٢٠٢٠ بسبب انتشار كورونا وغيرها الكثير من النشاطات التي لا تعد ولا تحصى.

ولاحقاً علقت جاغوار لاندروفر العمل في مصانعها في المملكة المتحدة الى جانب كل ما له علاقة بعمليات الانتاج حتى اشعار آخر، وحذت حذوها جارتها البريطانية بنتلي التي علقت العمل ايضاً لمدة أربعة أسابيع، رينو دعت مجلس ادارتها لاجتماع طارئ لدرس كيفية المعالجة وآثار كورونا على عملياتها كافة، وجنرال موتورز المكسيك أوقفت ايضاً عملياتها في مصنع سان لويس بوتوزي من 20 آذار مارس الى 13 نيسان ابريل كما دعت جميع عمالها في البرازيل الى التغيب عن العمل، وتيسلا أوقفت عمليات الانتاج في مصانعها كافة وكذلك فولكسفاغن في حميع مصانعها الاوروبية. لن أحصي كل الشركات لأن العدد لن يقدم او يؤخر اي شيء.

وكانت برشلونه أعلنت عن إلغاء معرضها السنوي المتخصص بالهواتف الذكية والذي يشارك فيه عادة مجموعة كبيرة من صانعي السيارات، وألغت سويسرا معرض جنيف الدولي للسيارات للحد من تفشي كورونا الذي تسبب ايضاً في توقف وتعطيل رياضة سباقات المحركات بعد أن قرر منظمو بطولة العالم للدراجات النارية “موتو جى بي” إلغاء الجولة الافتتاحية لبطولة العالم التي كان مقرراً إقامتها في قطر، علماً ان الفرق الإيطالية التي تشارك في هذه البطولة تعد الأبرز والأقوى. إيطاليا التي تشهد حالياً أقوى معركة مع الفيروس وسط ارقام قياسية من الوفيات كل يوم.

 

هذا طبعاً جزء بسيط من عمليات توقف الأحداث والانتاج في كافة انحاء الكرة الأرضية. ولكن ماذا يعني هذا؟ باختصار هذا يعني ضربة كبيرة لصناعة السيارات التي برأيي ستكون بحاجة الى وقت طويل لكي تستعيد عافيتها. فبالرغم من عودة أغلب مصانع السيارات بالصين للعمل من جديد بعد توقف دام أسابيع، إلا أن انتشار فيروس كورونا يهدد صناعة السيارات في العالم خاصة بعد أن أعلنت شركة هيونداي موتور في كوريا الجنوبية عن توقف أحد مصانعها بمدينة أولسان في جنوب شرق البلاد عن العمل بعد التأكد من إصابة أحد العمال بفيروس كورونا. الشركات الهندية تأثرت هي الأخرى بانتشار فيروس كورونا مسجلة خسائر كبيرة خلال كانون الثاني يناير وشباط فبراير، وأعلنت شركة ماهيندرا آند ماهيندرا الهندية لصناعة السيارات عن انخفاض مبيعاتها خلال شباط فبراير الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا وعدم وصول شحنات قطع الغيار من المصانع الصينية مما تسبب بتراجع المبيعات بنسبة 42 بالمئة بعد أن وصلت المبيعات إلى 32,476 سيارة، مقارنة بـ 56,005 سيارات في شباط فبراير 2019. ومع دخول شهر آذار مارس، تتوقع الشركة استمرار التحديات التي تواجهها بشأن الحصول على قطع الغيار لبضعة أسابيع أخرى، قبل أن يعود الوضع لطبيعته. تأثير كورونا على صناعة السيارات الهندية لم يضرب ماهيندرا وحدها، بل طال ايضاً شركة ماروتى سوزوكي، التي سجلت تراجع مبيعات بنسبة 1,1 بالمئة خلال شباط فبراير لتصل عدد وحداتها المباعة 147,110 سيارة.

ومن جانبها توقعت رئيسة رابطة صناعة السيارات بألمانيا هيلغراد مولر تراجع المبيعات بنسبة 7 بالمئة بسبب الفيروس. وعلق رئيس دايملر الألمانية اولا كالينيوس على انتشار فيروس كورونا وتأثيره على صناعة السيارات قائلاً: “لا يمكننا التنبؤ الآن بحجم الخسائر، لكن الواضح أن الضرر سيصيب الإنتاج والمبيعات”. أما وكالة موديز الأمريكية للتصنيف الائتماني فتوقعت تراجع مبيعات السيارات في العالم بنسبة 2,5 بالمئة خلال عام 2020 بسبب تفشى فيروس كورونا، وذكرت الوكالة في مدينة فرانكفورت الألمانية أن تفشى كورونا سيؤثر على الطلب وسيوقف سلاسل التوريدات، وتوقعت أن تصل نسبة التراجع في المبيعات في غرب أوروبا إلى 4 بالمئة، وأن تسجل الصين وحدها تراجع بنسبة 3 بالمئة، كما توقعت تراجع مبيعات السيارات في السوق الأمريكية بنسبة 1.2 بالمئة.

بدورها أعلنت رابطة سيارات الركوب الصينية التي تمثل أكبر الأسواق تضرراً من فيروس كورونا، إن الصين شهدت انخفاضاً حاداً في مبيعات السيارات الجديدة بسبب فيروس كورونا. وأوضحت الرابطة أن المبيعات تراجعت بنسبة 92 بالمئة في الفترة من 1 إلى 16 شباط فبراير الماضي مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، وتوقفت مبيعات هذه الفترة من العام عند 4,909 سيارات مقارنة بـ 59,930 سيارة في الفترة نفسها من 2019. وتوقعت الرابطة ارتفاع نسبة تراجع سوق السيارات 8 بالمئة خلال عام 2020 بسبب انتشار فيروس كورونا، بعد أن كانت تتوقع الرابطة بنهاية عام 2019 الماضي، أن ترتفع المبيعات 1 بالمئة خلال عام 2020.

 برأيي الشخصي تعد أرقام تراجع المبيعات متفائلة جداً بالنسبة لما يمكن أن يحدثه هذا الوباء من أضرار خصوصاً أنه لا يوجد في الأفق اي أمل بعلاج سريع، ومن هذا المنطلق اعتقد أن عملية النزف ستتواصل.

فإيطاليا فيات مازيراتي فيراري لامبورغيني وألفاروميو تئن تحت وطأة ضربات الفيروس اللعين، كوريا الجنوبية هيونداي وكيا تعاني، الولايات المتحدة جنرال موتورز فورد وكرايلسر تستعد للأسوأ، فرنسا رينو بيجو وسيتروين تحاول لملمة جراحاتها، ألمانيا مرسيدس بورشه بي ام دبليو آودي وفولكسفاغن تحضر لوضع أكثر إحراجاً وغيرها وغيرها الكثير.

أشير أخيراً الى أن ما يحدث اليوم سيغير ليس فقط مفهوم العمل في نطاق صناعة السيارات، إنما سيغير ايضاً الكثير من المفاهيم والتقاليد والعادات التي تمثل خبزنا اليومي… وعلى الأرجح نحن أمام فيروس سيغير  وجه الكرة الأرضية بكاملها. لكن الأمل ما زال كبيراً وإمكانية تقليص الأضرار والعودة الى الوضع السابق ممكن جداًخصوصاً إذا ما تضافرت الجهود كافة. وعلى الرغم من هذه الغيمة السوداء التي تخيم على الكرة الأرضية، اتمنى أن تكون غيمة صيف وتمضي في سبيلها ليعود هذا القطاع سريعاً الى ما كان عليه وإلا….

لننتظر ونرى…

 

قد يعجبك ايضا