هل تصل طموحات الصين “الكهربائية”.. إلى طريق مسدود؟

ليس سرًا القول إن الصين باتت تتضمن أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم؛ إذ نجحت في عام ٢٠١٦ الماضي في بيع ٥٠٧.٠٠٠ وحدة مزوّدة بشاحن، منها أكثر من ٣٥٠.٠٠٠ سيارة و١١٥.٧٠٠ حافلة كهربائية بالكامل، علمًا بأن المستهدف في عام ٢٠١٧ الحالي بيع ٨٠٠.٠٠٠ مركبة كهربائية بالكامل.

ورغم أن هذه الأرقام تتفوق على مبيعات السيارات الأميركية في الولايات المتحدة، فإن المراقبين والمحللين يرون أن الطريق ما زال طويلًا أمام الصين قبل أن تصبح السيارات الكهربائية بالكامل أكثر الوسائل نجاحًا في خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن السيارات التقليدية.

ولا جدال على أن الفضائح المتتالية، بدءًا من فضيحة “ديزلجيت” لمجموعة فولكسفاغن ووصولًا إلى فضيحة التلاعب في أرقام معدلات استهلاك الوقود لبعض عروض ميتسوبيشي المخصصة للسوق اليابانية، قد تمكنت من العصف بصناعة السيارات على مدار الشهور القليلة الماضية، وهو ما كان له أبلغ الأثر على تعهدات الصانعين بإيفاء المتطلبات التي استهدفتها حكومات الدول المختلفة بشأن خفض الانبعاثات ومعدلات استهلاك الوقود.

وعلى الرغم من أن الصين ما زالت بمنأى عن تلك الفضائح فإن معدلات تلوث الهواء المرتفعة في البلاد وصلت إلى مرحلة خطيرة للغاية، وهو ما جعل مسألة انبعاثات السيارات الملوثة أمرًا ملحًّا للحكومة الصينية لا يحتمل التأجيل. لذا، وضعت البلد الآسيوية العام الماضي خطة تتمحور حول التحول إلى السيارات الكهربائية بالكامل، من خلال توفير دعم مالي كبير لكل من زبائن وصانعي السيارات الكهربائية على حد سواء، قبل رفع هذا الدعم كليًا بحلول عام ٢٠٢٠.

ولكن، يبدو أن هذا التوجه بات يواجه تحديًا جديدًا آخر؛ إذ قدمت حكومة بكين في السابع من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، قانونًا يلزم المشاريع المشتركة أو شركات السيارات المشتركة في البلاد (شركات تشهد تعاونًا بين صانعين محليين وآخرين أجنبيين) بإثبات براعتهم وإتقانهم الكامل لتقنيات السيارات الكهربائية، قبل أن يتلقوا موافقة بالبدء في إنتاج هذه الفئة من السيارات.

وأثار هذا القانون عاصفة من الاستهجان بين المستثمرين الأجانب، انطلاقًا من أن هذا القانون ينتهك قوانين منظمة التجارة العالمية المناهضة للنقل التعسّفي للتقنيات، لا سيما أن الحكومة الصينية تطلب التخلي عن أو إسقاط الحق في التقنيات الحساسة المتعلقة بالسيارات الكهربائية في مقابل الدخول للسوق المحلية.

نقد لاذع وطمأنة من بكين

وكان القانون الصيني الجديد قد جرى استعراضه في تقرير أخير لغرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين؛ إذ قامت الغرفة التجارية بانتقاد سياسة الصين الصناعية ووصفها بـ”التمييز غير العادل” ضد الشركات الأجنبية. وقال التقرير إن القانون الجديد يُلزم الصانعين الأجانب إفشاء ونقل الخبرات الفنية الدقيقة شأن رموز برمجيات الحاسوب إلى شركاء المشاريع المشتركة في الصين.

وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، أبدى المسؤولون الصينيون تراجعًا عن موقفهم السابق المتعلق ببعض نصوص القانون، نافين بشكل قاطع أنه يُلزم الشركات الأجنبية على نقل تقنياتها المتطورة للشركات الصينية ضمن المشاريع المشتركة مع صانعين أجانب.

من جانبه، صرح وزير الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصيني “مياو وي”، بأن مفهوم إلزام الشركات الأجنبية بنقل تقنياتها قد جرى “إساءة فهمه”، وأنه “ليس أمرًا مُلزمًا على المشاريع التي يموّلها الأجانب نقل تقنياتهم إلى الصين،”.

ولكن، ردّ رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين “يورغ وتكي” على التصريحات السابقة بقوله: “ليس هناك أي شيء مكتوب، لا يتعدى الأمر الكلام… هناك الكثير من الرعد، ولكننا ما زلنا ننتظر هطول الأمطار.”

أما عن بعض الصانعين الكبار العاملين في البلاد، شأن فولكسفاغن، فقد أعربوا عن “تفاؤلهم الحذر” من تصريحات المسؤولين الصينيين لتهدئة الموقف. وفي هذا السياق، علق الرئيس التنفيذي لفولكسفاغن الصين “جوشيم هايزمان” عن التصريحات السابقة التي لا تُلزم الشركات الأجنبية بمشاركة تقنياتهم الحساسة مع شركائهم المحليين بقوله إن “الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.”

تاريخ طويل من التعاون المشترك

عندما سمحت بكين لصانعي السيارات الأجانب دخول السوق الصينية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، اشترطت مسبقًا إنشاء مشاريع مشتركة مع صانعين محليين في محاولة لحماية وتوسعة الصناعة الصينية المحلية. ومنذ ذلك الوقت، تمكنت الصين من التفوق على الولايات المتحدة الأميركية لتصبح أكبر سوق للسيارات في العالم، كما باتت الصين وجهة أوّلية ولها أهمية قصوى لدى أكبر صانعي السيارات في العالم، ناهيك عن كونها أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم.

وكان الصانعون الأجانب يفضّلون استيراد قطع الغيار والمكونات التي تعتمد على تقنيات حساسة عوضًا عن جعل الموردين الصينيين ينتجونها بأنفسهم، مخافة أن تزيد مشاركة تلك التقنيات من خطر سرقتها.

ولكن، ورغم أن بعض المحللين والمراقبين يرون أن الإدلاء بتصريحات وبيانات عامة يجعل من الصعب الرجوع فيها بعد ذلك، فإن الاختبار الحقيقي سيأتي بعض بضعة أشهر عندما يتقدم بعض الصانعين الأجانب بطلب الحصول على ترخيص من الحكومة الصينية للبدء في تصنيع عروضهم الهجينة محليًّا.

كذلك يرى البعض الآخر أن مسألة نفي الحكومة الصينية إلزام الشركات الأجنبية على نقل تقنياتهم الحساسة للشركاء المحليين، أمر بديهي لطالما دأبت حكومة بكين عليه؛ إذ اعتاد مسؤولوها عدم الاعتراف بخرق قوانين منظمة التجارة العالمية، كما أن مفهوم نقل ملكيات وحقوق التقنيات من أجل الحصول على حصة سوقية، يُعدّ أمرًا شائعًا في السوق الصينية على مدار الأعوام السابقة.

كلمة أخيرة

في النهاية، وحتى مع تسوية الأمر مع الصانعين والمستثمرين الأجانب، يتبقّى السؤال الأهم: ما هو مصير صناعة السيارات الكهربائية في الصين؟

وللإجابة عن هذا السؤال، يجب التأكد من أن الفشل في إيجاد طلب حقيقي على السيارات الكهربائية سيشكّل حتمًا خطرًا كبيرًا على تحقيق الحلم الصيني، لا سيما مع التوقف عن تقديم الحوافز الحكومية في عام ٢٠٢٠، وهو ما سيجعل من عملية بيع السيارات الكهربائية أمرًا غاية في الصعوبة.

بل إن الأمر يطال الشركات المصنّعة كذلك؛ إذ إن تصنيع هذا النوع من السيارات يكبّد الصانعين خسائر كبيرة، ولكن تلك الشركات ما زالت ترى الأمر ممكنًا من الناحية التجارية حاليًا، بفضل المساعدات والحوافز الحكومية. لذا، فإن مسألة استمرار تلك الحوافز من عدمه تُعدّ أحد أكبر التحديات التي قد تواجه ازدهار وانتشار السيارات الكهربائية في الصين في الغد القريب المنظور، وبطبيعة الحال عدم إلزام الصانعين الأجانب على إفشاء أسرارهم التقنية للشركاء المحليين، وهو أمور يجب أن تعيها حكومة بكين جيدًا حتى لا تفقد لقب أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم!

قد يعجبك ايضا