هل تستحوذ بيجو-سيتروين فعليًّا على الذراع الأوروبي لجنرال موتورز؟!

في منتصف شهر شباط (فبراير) الماضي، أعلن كلّ مِن تحالف بيجو-سيتروين وكذلك جنرال موتورز أنهما يُجريان حاليًّا محادثات، وصلت إلى مرحلة متقدّمة، بشأن استحواذ التحالف الفرنسي-الفرنسي على الذراع الأوروبي للصانع الأمريكي، أي شركة أوبل الألمانية التي بدورها تمتلك العلامة فوكسهول البريطانية.

وقد يسفر دمج أوبل ببيجو وسيتروين وDS عن ثاني كيان عملاق للسيارات في أوروبا، بعد مجموعة فولكسفاغن، مع حصة سوقية قد تبلغ ١٦ في المئة تقريبًا، وهو ما قد يغيّر بشكل كبير من سوق السيارات في القارة الأوروبية العجوز!

وقالت بيجو-سيتروين مؤخرًا في بيان لها إنها “تستكشف مع جنرال موتورز مبادرات استراتيجية عديدة تهدف إلى تحسين الربحية وكفاءة التشغيل، بما في ذلك الاستحواذ المحتمل على شركة أوبل.”

ورغم أن الجانبين لم يُؤكّدا على التيقن التام من إبرام الصفقة، لا سيما أن جنرال موتورز قد انسحبت مرتين من مفاوضات إتمام صفقتين سابقتين تتعلق بأعمالها الأوروبية، فإن مصادر مقرّبة أفادت بأن هذه الصفقة، في حال إتمامها، قد يعقبها اندماج كامل بين تحالف بيجو-سيتروين وجنرال موتورز، وإن لم يكن هذا الأمر جزءًا من المحادثات الراهنة!

وإذا ما أُبرمت الصفقة، فإن جنرال موتورز ستخرج من السوق الأوروبية، لا سيما بعد قرار بريطانيا ترك الاتحاد الأوروبي، وهو ما كان سيؤثّر بشكل أو بآخر على أرباح الصانع الأمريكي. وعلى الجانب الآخر، ترى بيجو-سيتروين أن عملية الاستحواذ هذه بمثابة فرصة جيدة لأن تكبر أكثر وأكثر مع الاستفادة مِن تفوّق أوبل الهندسي.

 

ماذا يعني شراء بيجو لأوبل؟

لا يمكن وصف خطوة اعتزام بيجو-سيتروين الاندماج مع صانع آخر بالمفاجِأة، لا سيما أن المدير المالي للتحالف، “جان بابتيست دي شاتيلون”، قد صرح في عام ٢٠١٦ الماضي بأن شركته تعتزم تعزيز ارتباطها مع صانعين آخرين، لا سيما بعد أن حققت أهدافها المالية متوسطة المدى أسرع من المتوقّع، حسب تقرير لمطبوعة “فاينانشيال تايمز” المعنية بالشؤون الاقتصادية.

كما أن جنرال موتورز وتحالف بيجو-سيتروين يعملان معًا بالفعل على بعض موديلات الـSUV والفانات الخاصة بهما، علمًا بأن الصانعين حاولا تعزيز شراكتهما في عام ٢٠١٣، ولكن لم يكلل الأمر بالنجاح! وكانت الصفقة السابقة تتضمن استحواذ جنرال موتورز على حصة في تحالف بيجو-سيتروين تبلغ ٧ في المئة، وهو ما كان سيوفّر ما مجموعه ٢ مليار دولار بحلول عام ٢٠١٨، فضلًا عن إعادة إحياء أعمالهما الأوروبية التي تسجِّل خسائر كبيرة.

وفي المجمل، فإن “صفقة أوبل” تمثّل خطوة جريئة للرئيس التنفيذي لتحالف “بيجو-سيتروين”، أي المهندس البرتغالي “كارلوس ترافيرس”، الذي كانت شركته قبل ثلاثة أعوام على شفا الانهيار، قبل أن تمدّ لها الحكومة الفرنسية، جنبًا إلى جنب مع الصانع الصيني “دونغفانغ”، يد العون من خلال خطة إنقاذ بكُلفة ٣ مليارات يورو في عام ٢٠١٤. ووفقًا لخطة الإنقاذ، فإن كلًّا مِن الحكومة الفرنسية والصانع الصيني اشترى منفردًا حصة قدرها ١٤ في المئة من المجموعة الفرنسية الكبيرة.

ومنذ ذلك الوقت، أعاد “ترافيرس” هيكلة التحالف الفرنسي-الفرنسي، فضلًا عن استعادة ذاكرة الأرباح من خلال اختزال عدد العروض وخفض تكاليف العمالة. وقد يسفر اندماج بيجو-سيتروين وأوبل عن خسائر جديدة في الوظائف بأوروبا، عبر دمج قطاعات التصنيع بالشركتين.

وفي المقابل، ترى جنرال موتورز أن “ترافيرس” هو طوق النجاة لعملياتها الأوروبية التي تسجّل خسائر بلغ مجموعها ٨ مليارات دولار منذ عام ٢٠١٠. ويعني هذا أن جنرال موتورز قد تكون الرابح الأكبر من هذه الصفقة، لا سيما أنها صرحت في وقت سابق بأنها ستصل إلى نقطة التعادل مع عملياتها الأوروبية في عام ٢٠١٦، ولكن، ذلك بطبيعة الحال قبل ضعف سعر صرف الجنيه الإسترليني أمام اليورو عقب استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي الصيف الماضي، وضعف الطلب على السيارات بشكل عام، وهو ما أسفر عن ٣٠٠ مليون دولار خسائر إضافية!

يُذكر أن المملكة المتحدة تشكّل ربع مبيعات أوبل، وهي أكبر سوق للموديل الهاتشباك كورسا وشقيقه السيدان إنسيغنيا، علمًا بأن كلا الطرازين يصنّع في أوروبا ويصدّر إلى بريطانيا. وفي عام ٢٠١٦ الماضي، قامت أوبل بخفض إنتاج السيارتين بسبب ضعف الطلب عليهما.

غضب عارم في برلين!

استشاطت برلين غضبًا من “صفقة أوبل”، لا سيما أن الألمان لم يتم إخطارهم مسبقًا بمحاولة بيع جنرال موتورز لعلامتهم العريقة إلى الصانع الفرنسي المنافس “بيجو-سيتروين، تزامنًا مع تنامي مشاعر الخوف والقلق من تسجيل خسائر كبيرة في الوظائف في ألمانيا، قبيل أشهر من الانتخابات في البلاد.

كانت الحكومة الألمانية قد صرحت فور علمها بمفاوضات إبرام الصفقة بأنها ستصرّ على الحفاظ على الوظائف بمصانع أوبل العائدة لجنرال موتورز في أعقاب أي اتفاق، نافية علم أي مسؤول في برلين عن المحادثات الجارية حاليًّا قبل أن تكشف وسائل الإعلام المختلفة عنها. وتصاعدت وتيرة الغضب في برلين، وهو ما دفع بالرئيس التنفيذي لجنرال موتورز “ماري بارا” إلى السفر إلى ألمانيا للدفاع عن طموحات المجموعة في بيع عملياتها الأوروبية.

ويمكن القول إن مخاوف الساسة الألمان والبريطانيين من تأثير الصفقة على مصانع جنرال موتورز الأوروبية بمجرد أن تقع الأخيرة في أيدي السيد “ترافيرس”، لها بالطبع ما يُبرّرها، لا سيما أن الأخير يشتهر بسياسة خفض النفقات إلى أدناها، وهي السياسة نفسها التي أخرجت تحالف بيجو-سيتروين من كبوته الأخيرة.

وبوجه خاص، يرى الخبراء والمراقبون أن هناك ما يقرب من ١٥.٠٠٠ وظيفة في مصنع “روسيلزهايم” الألماني باتت الآن على المحك، مع الأخذ في الاعتبار أن ثُلثي موظفي أوبل البالغ عددهم ٣٨.٠٠٠ عامل وموظف يستقرون في ألمانيا، في حين أن هناك مخاوف مماثلة في المملكة المتحدة من مصير مصانع فوكسهول في “إليزمير بورت” و”لوتون”.

وفي محاولة لإخماد ثورة الغضب في برلين، تعهد تحالف بيجو-سيتروين مؤخرًا باحترام وضمان كل أشكال الوظائف الحالية بعمليات جنرال موتورز الأوروبية في حال الظفر بصفقة الاستحواذ على أوبل وفوكسهول. من جانبه، صرح السيد “ترافيرس” بقوله: “تتمثّل طموحات بيجو-سيتروين في جعل التعاون وجودة العلاقات مع ممثلي الموظفين ميزة تنافسية وعاملًا أساسيًّا في نجاح الشركة.”

كلمة أخيرة!

لا شك أن تحالف بيجو-سيتروين ليس الوحيد من بين صانعي السيارات الذي يسعى إلى الاندماج أو تعزيز الشراكة مع صانعين آخرين؛ إذ كرّر “سيرجيو مارشيوني”، الرئيس التنفيذي لشركة فيات كرايسلر أوتوموبيلز، مرارًا وتكررًا بأنه حريص على إبرام مزيد من الصفقات.

وقبل نحو عامين، سعت فيات كرايسلر أوتوموبيلز إلى التفاوض مع جنرال موتورز بشأن دمج محتمل، لكن قوبلت هذه الخطوة بالرفض.

وفي عام ٢٠١٦ الماضي، باعت جنرال موتورز ٩٧٩.٠٠٠ سيارة في أوروبا، مقارنة بـ١.٢ مليون وحدة في عام ٢٠٠٨، رغم أن الشركة الأمريكية تتمتع بقدرة تصنيع تصل إلى ١.٦ ملايين سيارة في أوروبا.

وفي المقابل، فإن تحالف بيجو-سيتروين قد خسر حصة سوقية كبيرة في أوروبا؛ فبعد أن كانت حصته السوقية ١٣ في المئة في عام ٢٠١٠، تقلّصت هذه النسبة إلى ٩.٩ في المئة العام الماضي، وهو ما جعل منافسه اللدود رينو يحتلّ المركز الثاني في قائمة أكبر صانعي السيارات في أوروبا بعد مجموعة فولكسفاغن!

وجنبًا إلى جنب مع جنرال موتورز، يمكن أن تصل مبيعات بيجو-سيتروين إلى ٢.٤ ملايين وحدة سنويًّا، وهو ما يعني إزاحة رينو التي تبيع ١.٥ مليون سيارة سنويًّا جانبًا، واحتلال التحالف الفرنسي-الفرنسي المركز الثاني في أوروبا خلف مجموعة فولكسفاغن التي تبيع ٣.٥ مليون وحدة في القارة العجوز من خلال عروض فولكسفاغن وآودي وبورشه وسيات وسكودا.

لذا، وبرغم كل شيء فإن خطوة استحواذ بيجو-سيتروين على أوبل وعلامتها فوكسهول هي خطوة صائبة للغاية دون شك، وستعود بالنفع على كلّ من التحالف الفرنسي-الفرنسي وأيضًا جنرال موتورز على حد سواء. وقد يُغري هذا التحالف المحتمل جنرال موتورز لأن تسارع في إبرام تحالف شامل مع بيجو-سيتروين، يتربّع على عرش أكبر صانعي السيارات في العالم في الغد القريب المنظور. وإن غدًا لناظره قريب!

قد يعجبك ايضا