في صفقة تُقدّر بـ 8 مليارات دولار أميركي: كيف يغيِّر استحواذ سامسونغ على هارمان من خريطة صناعة السيارات مستقبلًا؟

يمكن القول إن العلاقة بين “وادي السيليكون” و”ديترويت” تمر بمنعطف جديد هذه الأيام، أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى؛ فبعض صانعي السيارات يرون في شركات شأن “أوبر” و”آبل” و”غوغل” حلفاء لها من خلال تبني برمجيات الهواتف الذكية لهذه الشركات واعتمادها بعروض صانعي السيارات الكبار. وفي المقابل، يرى صانعون آخرون للسيارات أن شركات “وادي السيليكون” تشكّل خطرًا حقيقيًا عليهم، وقد تفعل بهم مثلما فعلت هواتف الآيفون بموديلات نوكيا المختلفة.

ووفقًا لبعض الخبراء والمراقبين، فإن سيارة المستقبل في الغد المرتقب ستتحول بشكل لافت على يد التقنيات المتطورة، وبالطريقة نفسها التي تحولت فيها الهواتف المحمولة من مجرد وسيلة اتصال إلى هواتف ذكية أكثر تطورًا وتعقيدًا خلال العقد الماضي.

ويبدو أن “سامسونغ” قد أدركت جيدًا هذا الأمر، لذا قامت في منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بالإعلان عن استحواذها على مورّد السيارات الأميركي “هارمان إنترناشيونال إندستريز” في صفقة قُدرت بـ 8 مليارات دولار أميركي.

ووفقًا لبنود الصفقة، فإن الشركة الكورية الجنوبية ستقوم بالاستحواذ على “هارمان” بما يعادل 112 دولارًا أميركيًا للسهم الواحد نقدًا، علمًا بأن أسهم “هارمان” كانت انخفضت بنسبة 7 في المئة في عام 2016 الحالي وحتى قبيل الإعلان عن هذه الصفقة.

أسواق جديدة

وفي هذا السياق، هناك أكثر من 30 مليون سيارة حول العالم مجهزة حاليًا بأنظمة شركة هارمان الصوتية، كما أن تلك الشركة المدرجة في البورصة الأميركية تعد رائدة عالميًا في تقنيات اتصالات السيارات وأنظمة الوسائط المتعددة (المالتيميديا) والملاحة وكذلك شاشات العرض المرئية، كما أن مبيعات الشركة بلغت 7 مليارات دولار أميركي خلال الأشهر الـ12 التي سبقت شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2016. وحتى شهر حزيران (يونيو) الماضي، بات لدى “هارمان” طلبيات متأخرة بمبلغ 24 مليار دولار.

وإذا ما تمت الصفقة كاملة، فإن ذلك يعني أكبر عملية استحواذ لـ”سامسونغ” على شركة أجنبية حتى كتابة هذه السطور، كما سيسهم دون شك في دخول الصانع الكوري الجنوبي لسوق جديدة تتعلق بتقنيات الاتصالات في عالم السيارات، وهو ما سعت إليه شركات أخرى على غرار “غوغل” و”آبل” و”سوفت بانك”.

وحتى الآن، يبلغ عدد السيارات المدعم بها تقنيات الاتصالات نحو 40 في المئة فقط، ومن المرجح أن يصل هذا العدد إلى 90 في المئة في غضون عشرة أعوام، كما سيبلغ حجم هذه السوق 100 مليار دولار أميركي.

طموحات مشروعة

على الرغم من أن “سامسونغ” ليست مهتمة بإنتاج السيارات، وفقًا لـ”يانغ سوهن”، الرئيس التنفيذي للشركة الكورية الجنوبية والمسؤول عن استراتيجياتها، فإن خطوة الاستحواذ على شركة “هارمان” سيعود بالنفع على الشركتين الكورية والأميركية؛ إذ من المتوقع أن نرى منتجات “هارمان” المستقبلية تستفيد من تقنيات “سامسونغ” المتعلقة بالشاشات، والحلول الأمنية وشبكات الجيل الخامس من المحمول 5G.

وفي المقابل، ستستفيد أجهزة وهواتف “سامسونغ” من خبرة “هارمان” العريضة في مجال صناعة السيارات؛ إذ تمتلك شركات شأن “JBL” و”هارمان كاردون” و”ريفيل” ولديها رخص تشغيل أنظمة “باورز آند ويلكينز” و”بانغ آند أولوفسن” في عالم السيارات.

وفي الإجمال، فإن قرار “سامسونغ” المتعلق بشراء وليس شق طريقها نحو صناعة السيارات، يعد أحدث الاستحواذات في عالم تقنيات السيارات التي يقدر حجمها بمليارات الدولارات في الأشهر القليلة الماضية.

وفي الإطار نفسه، كانت شركة الاتصالات اليابانية “سوفت بانك” قد اشترت شركة الرقائق الإلكترونية البريطانية “آرم القابضة” Arm Holdings في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي في صفقة بلغت ٣٢ مليار دولار أميركي، مدفوعة بيقين رئيس مجلس إدارتها “ماسايوشي صن” أن السيارات المتصلة ستكون “أهم شيء في الغد القريب”. وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قدمت الشركة الأميركية المتخصصة في مجال نظم الاتصالات وإنتاج رقائق الهواتف المحمولة “كوالكوم”، عرضًا بقيمة 47 مليار دولار للاستحواذ على شركة NXP المتخصصة في إنتاج معالجات السيارات.

وفي ما يتعلق بالشركة الكورية الجنوبية “سامسونغ”، فإنها كانت تتحيّن الفرصة الملائمة للقيام بخطوتها الأخيرة منذ أكثر من عام، تحديدًا بعدما قامت بتكوين فريق معني بإلكترونيات السيارات في شهر كانون الأول (ديسمبر) من عام 2015، كما ضخت العديد من الاستثمارات في شركات ناشئة في هذا المجال الحيوي الواعد.

تدهور سوق الهواتف الذكية

ومن أبرز الأسباب الأخرى التي عجّلت بإتمام صفقة استحواذ “سامسونغ” على “هارمان”، هو تدهور سوق الهواتف الذكية، كما أن وضع الصانع الكوري الجنوبي بات حرجًا للغاية لا سيما بعد الاستدعاء المحرج والمكلّف للغاية لهاتفها الأحدث “غالاكس نوت 7″، وذلك بعد تقارير عن اندلاع الحريق بعدد من هذه الأجهزة أثناء شحنها.

لذا، ومع افتقارها إلى النمو الأساسي، فإن صفقة الاستحواذ قد تحدث فارقًا جذريًا لـ”سامسونغ”، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الصفقة لم تأت بحجم كبير، وإنما بلغت فقط 8 مليارات دولار أميركي، مقارنة بما تملكه الشركة الكورية الجنوبية من سيولة نقدية تبلغ 60 مليار دولار أميركي.

أيضًا، فإن قسم السيارات لدى “سامسونغ” لا يتعدى حجمه الـ1 في المئة من عوائد وأرباح الشركة، ولكن كل هذا سيتغير الآن بعد عملية الاستحواذ على “هارمان” الأميركية، وهو ما يمكن ترجمته إلى “غزو” لمقصورات السيارات، من خلال توفير سلسلة متنوعة من الخدمات التقنية بدءًا من إمكانية اتصال السيارة بالإنترنت ووصولاً إلى تحليل البيانات.

وحسب السيد “سوهن”، في تقرير أوردته مؤخرًا مطبوعة “فاينانشيال تايمز” المعنية بالشؤون الاقتصادية، فإن تلك الصفقة ستسهم أيضًا في مساعدة “سامسونغ” على تطوير تقنيات “قدرة الآلات على التعلم” وهي التكنولوجيا الرئيسية نحو جعل السيارات ذاتية القيادة “تتعلم” من البيئة المحيطة بها.

وفوق هذا وذاك، تحوي جعبة “هارمان” خدمات أخرى غير السماعات والأنظمة الصوتية، منها ما يتعلق بتحديث البرمجيات عبر الأثير أو الهواء، وهو أمر تحتاج إليه سيارات المستقبل لتحديث أدائها أو إصلاح بعض الأعطال أثناء السير على الطرقات.

وكانت المؤسسة البحثية IHS قد تنبأت من قبل بأن شركة “هارمان” ستسيطر على 10 في المئة من سوق إلكترونيات السيارات الذي يبلغ 60 مليار دولار أميركي تقريبًا بحلول عام 2022، وهو ما يجعلها ضمن أكبر ثلاث شركات في هذا القطاع. ولكن، يرى بعض المراقبين والمحللين أن هذه النسبة مرشحة للزيادة بفضل إمكانات “سامسونغ” الهائلة التي ستسهم دون شك في خفض النفقات وتقليل الأسعار.

وفي النهاية، فإن صفقة استحواذ “سامسونغ” على “هارمان إنترناشيونال إندستريز” ستغيّر دون أدنى مجال للشك خريطة صناعة السيارات في الغد القريب المنظور، وتحديدًا مقصورات العروض المستقبلية. بل، وقد تغيّر الشركة الكورية الجنوبية من قرارها المتعلق بعدم إنتاج السيارات حاليًا، والانخراط بقوة في تصنيع وتجميع المركبات، وهو ما يعني مزاحمتها للصانعين الكبار، وإن غدًا لناظره قريب.

قد يعجبك ايضا