بوادر تغيير في الأفق

حدث هذا الشهر وافتتاح موسم عالم السيارات كان من دون منازع معرض باريس الدولي للسيارات 2016 او كما يُطلق عليه فرنسياً اسم “مونديال السيارات” الذي ما زال مثله مثل بقية المعارض الوسيلة الأكثر شعبية ورواجًا لاستمالة زبائن جدد؛ فأكثر من 815,000 شخص زاروا معرض ديترويت مطلع العام الجاري، وهي أعلى نسبة زوار منذ عام 2003، ونجح معرض باريس الدولي للسيارات في دورته السابقة بعام 2014 في استقطاب 1.25 مليون زائر، وهو ما يجعله الأكبر في صناعة السيارات. ومن المرجح أن تسجل دورة هذا العام عدد زوار مماثلاً، إن لم يكن أكبر من الدورة السابقة.

وخلال تجوالي بين منصات الصانعين في عاصمة الجمال لفتني العديد من الإطلاقات العالمية المميزة أبرزها فيراري لافيراري آبرتا، وهوندا سيفيك الهاتشباك، وهيونداي i30 الأحدث والجيل الثالث الجديد من لاندروفر ديسكفري ومرسيدس-بنز الفئة E بنسختها All-Terrain ومرسيدس-بنز GT AMG رودستر، وآودي Q5 الجديدة لعام 2017 وكيا ريو الأحدث ونيسان ميكرا وبورشه باناميرا المحسنتين وأيضًا سكودا كودياك، وأيضاً وأيضاً وأيضاً. طبعاً اللائحة لن تنتهي هنا.

وإذا كانت هذه الاطلاقات متوقعة، الا انه من غير المتوقع غياب العديد من الصانعين البارزين مثل لامبورغيني وبنتلي؛ إذ استعانت لامبورغيني باستراتيجية جديدة تتعلّق بالوجود في معارض السيارات في المستقبل، شأنها شأن بنتلي التي أعلنت أنها ستقوم بتولية اهتمام أكبر بالفعاليات والأحداث الأصغر حجمًا في الغد القريب المنظور، والتي تستهدف الزبائن والمشترين بطريقة مباشرة. ولم يغِب عن المعرض الحالي لامبورغيني وبنتلي فقط؛ إذ غاب كذلك كل من فورد ورولزرويس وفولفو وأستون مارتن، مفضّلين الوصول للزبائن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعية والمدونات.

ولكن السؤال الأهم: هل سيكون هذا تيارًا سائدًا خلال الفترة المقبلة؟ الإجابة: نعم؛ فعوضًا عن إنفاق ملايين الدولارات في محاولة لإبهار الزبائن المحتملة في صالات العرض الباهظة التكلفة، سيتم الوصول إلى عدد أكبر من الزبائن بطريقة مباشرة على صفحات الإنستغرام أو المدونات أو حتى على شواطئ البحر.

ولا يمكننا إلقاء اللائمة على التكلفة وحدها، انما سلوك الزبائن تغير ايضاً. وللتغلب على هذا التيار، قامت فورد مؤخرًا بدعوة العملاء المحتملين لاختبارات قيادة ليوم واحد في كل أنحاء فرنسا. وبالمثل، قامت رولزرويس هذا الصيف بتنظيم حفلات تقدّم فيها العصائر والكوكتيل مع اختبارات للقيادة وعروض أزياء مميزة بأحد الشواطئ في إيطاليا.

ومما لاحظته ايضاً في هذا المعرض الضخم، محاولات كلّ من رينو والذراع الأوروبي لجنرال موتورز أي شركة أوبل، وكذا دايملر-بنز إطلاق عروض كهربائية، وهو ما يعكس توجه الصانعين نحو إنتاج السيارات المزوّدة ببطاريات كهربائية في الغد القريب المنظور. ويأتي اهتمام الصانعين بهذا التوجه “الأخضر” على وجه الخصوص، بعد أن تراجع الاهتمام بوقود الديزل، والذي كان حتى وقت قريب مصدر الطاقة الأكثر شعبية للمحركات في السيارات الأوروبية، بسبب المخاوف المتعلقة بغازات أكسيد النيتروجين، تحديدًا تلك التي أثارتها فضيحة انبعاثات الديزل والتي عصفت بالصانع الشتوتغارتي في خريف العام الماضي وما زالت تداعياتها ماثلة للعيان حتى الآن.

لذا، يتوقع المراقبون والمحللون انحسار الاهتمام بوقود الديزل في القارة الأوروبية العجوز في الأعوام القليلة المقبلة، وذلك بعد أن أدار الزبائن والمنظمات الحكومية ظهورهم لهذه الفئة من الوقود بسبب الدور الذي يلعبه في تلوث الهواء واتصاله المباشر بالعديد من الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي، بل وارتباطه الوثيق بالعديد من الوفيات المبكرة.

وفي هذا السياق، قامت أوبل بإزاحة الستار هذا العام عن النسخة Ampera-e وفولكسفاغن عن نموذجها التصوري I.D. الكهربائي الذي يمهد لإطلاق ٣٠ موديلاً كهربائيًّا جديدًا بحلول عام ٢٠٢٥ للصانع الألماني. وبالمثل، قدّمت مرسيدس-بنز طرازها الاختباري الكهربائي Generation EQ، فيما كشفت رينو عن السيارة الاختبارية تريزور ذات التصميم المستقبلي الجريء.

برأيي هناك بوادر تغيرات تلوح في الأفق، من غيابات واضحة لكبار الصانعين الى تبدل أذواق المستهلكين ومجموعة الطرازات الكهربائية التي ظهرت في باريس… فلننتظر ونرى

قد يعجبك ايضا