الصانعون يُوجِّهون بوصلتهم نحو الهند وطبقتها المتوسطة

قبل نحو عقدين من الزمان تقريبًا، لم تتجاوز المبيعات في السوق الهندية حاجز الـ٤٠٠.٠٠٠ وحدة. وقبل عقد واحد فقط، توقّع العديد من المراقبين والمحللين أن تحتلّ الهند المركز الثالث في قائمة أكبر أسواق السيارات في العالم بحلول عام ٢٠٢٠، لا سيما في ظل اقتصاد يزدهر باستمرار وتنامي الطبقة المتوسطة في الهند والمتوقّع لها أن تبلغ ٥٨٣ مليون شخص بحلول عام ٢٠٢٥، ناهيك بالتكاليف المتدنّية لتصاميم وإنتاج السيارات، وهو ما جعل الهند، في وقت من الأوقات، محطّ اهتمام العديد من الصانعين الأوروبيين والآسيويين الذين تهافتوا على إنتاج سيارات رخيصة الكُلفة صغيرة الحجم.

وحاليًّا، باتت السوق الهندية خامس أكبر أسواق السيارات في العالم لجهة حجم المبيعات، من خلال حجم سوق يصل إلى ٣٥ مليار دولار في عام ٢٠١٦ الماضي، وفقًا لمؤسسة الاستثمار CLSA. وكما ذكرنا سلفًا، مِن المرجّح أن تُزيح الهند من طريقها السوقين اليابانية والألمانية، لتحتل المركز الثالث بحلول عام ٢٠٢٠، وفقًا لمؤسسة IHS. ومع وتيرة المبيعات البطيئة في أسواق بارزة شأن السوق الصينية، بات العديد من الصانعين الكبار ينظرون إلى الهند بوصفها مصدرًا حيويًّا للنمو والازدهار!

كانت شركة شأن هيونداي قد باعت وحدها أكثر من ٥٠٠.٠٠٠ سيارة في الهند العام الماضي، وهو ما يجعلها تحتلّ المرتبة الثانية بين الصانعين لجهة حجم المبيعات بفئة سيارات الركوب، بعدما بلغت حجم المبيعات في تلك الفئة ٢.٨ ملايين وحدة. وفي شهر نيسان (إبريل) الماضي، أعلنت شركة كيا التابعة إلى تحالف هيونداي-كيا الكوري الجنوبي عن خططها لضخّ استثمارات تقدّر بـ١.١ مليار دولار لإنشاء أول مصنع هندي لها في الجانب الشرقي لولاية “أندرا برديش”.

ومع تزايد الشكوك حول أكبر سوقين للسيارات في العالم: الصين حيث من المنتظر إنهاء الخفض الضريبي الذي أسهم في زيادة النمو بشكل كبير في عام ٢٠١٦ قريبًا، والولايات المتحدة الأمريكية التي تتم دراسة فرض تعريفة جمركية أعلى على الواردات حاليًّا، فإن السوق الهندية تبدو أكثر جذبًا وواعدة بشكل أكبر.

ويُراهن العديد من الرؤساء التنفيذيين لصانعي السيارات على القدرة الشرائية المتزايدة للطبقة المتوسّطة وفوق المتوسطة في سوق السيارات الهندية، وذلك على المدى الطويل، لا سيما أن هذه الطبقة تضاعفت بشكل لافت منذ القيام بالإصلاحات الليبرالية والاقتصادية في حقبة التسعينيات.

وحسب تقرير أخير أوردته مطبوعة “فاينانشيال تايمز” المعنية بالشؤون الاقتصادية، فإنّ أكبر المستفيدين من ذلك المناخ الواعد لسوق السيارات الهندية هو شركة سوزوكي موتورز التي أقامت مشروعًا مشتركًا مع الحكومة الهندية في عام ١٩٨٢. وعبر استخدام أحدث تقنيات الإنتاج اليابانية، تمكنت ماروتي سوزوكي من قضم حصة كبيرة مهيمنة بسوق السيارات الصغيرة في الهند، من شركات أخرى محلية في البلاد.

وواصلت ماروتي سوزوكي الاستفادة من ميزة الريادة؛ إذ حصدت ٤٧ في المئة من مبيعات سيارات الركوب في الهند وذلك في العام المالي الذي انتهى في شهر آذار (مارس). وتبلغ القيمة السوقية لماروتي سوزوكي ١.٩ تريليونات روبية (٣٠ مليار دولار أمريكي)، وهو أكبر بمقدار الثّلث من القيمة السوقية لشركة سوزوكي اليابانية نفسها التي تمتلك ٥٦ في المئة من حصة الأسهم في الشركة الهندية-اليابانية!

ولكن، مع بيع سيارة واحدة العام الماضي لكلّ ٤٥٠ شخصًا في الهند، مقارنة بسيارة واحدة لكل ١٨ شخصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن العديد من صانعي السيارات يرون الأمر واعدًا بشدة لقضم حصة سوقية في الهند.

ويمكن القول إن التعددية الثقافية والاقتصادية في الهند تجعل من سوق سياراتها أكثر تجزءًا من الصين، وفقًا للرئيس التنفيذي لنيسان الهند “آرون مالهوترا”. ويرى المسؤول التنفيذي أن فرص النمو ستصبح أقوى في المُدُن الهندية الأصغر؛ إذ ما زالت تلك المُدُن تسجّل نسبًا أقل في تملك السيارات مقارنة بـ”مومباي” أو “بنغالور”.

وتظل نيسان واحدة من الصانعين الكثيرين الذين ينظرون إلى الهند بوصفها قاعدة منطقية للغاية للإنتاج العالمي، لا سيما في ظل تزايد الطلب المحلي وانخفاض تكاليف العمالة. وأعلنت الشركة اليابانية في شباط (فبراير) الماضي أنها قامت بتصدير ٧٠٠.٠٠٠ سيارة مجمّعة ومصنّعة في الهند لـ١٠٦ دول حول العالم منذ افتتاح مصنعها “شيناي” في عام ٢٠١٠.

أمّا عن فورد، والتي أزاحت هيونداي العام الماضي لتصبح أكبر مصدّر للسيارات في البلاد، فترى بدورها الهند كمركز عالمي لإنتاج السيارات الصغيرة. وكان العديد من المسؤولين التنفيذيين قد أعربوا عن سعادتهم بتشجيع رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” للصناعة بوجه عام، وذلك بغرض تعزيز الاستثمار في عمليات التصنيع من خلال ضخّ الاستثمار في البنية التحتية.

وفي هذا السياق، فإن إقامة طرقات سريعة بصورة متسارعة في فترة حُكم السيد “مودي”، بشّرت مِن تعزيز مبيعات سوق السيارات الرياضية التي ما زالت محدودة في البلاد؛ إذ إنّ هذه الفئة من السيارات تتطلب توافر طرقات إسفلتية معبّدة بشكل مثالي. ولكن، ما زالت معدلات النمو في مبيعات السيارات النخبوية لم تتجاوز محنة زيادة الضرائب على السيارات المستوردة بنسبة ١٢٥ في المئة التي فُرضت في عام ٢٠١٣. وبسبب ذلك، قال رئيس بورشه الهند “بافان شيتي” إن الصانع الألماني باع العام الماضي ٤٠١ سيارة في الهند مقارنة بـ٦٥.٢٤٦ وحدة في الصين.

وحتى مع تولّي السيد “باتي” السلطة في عام ٢٠١٤، والذي تعهد بإنهاء السياسات المنحرفة والفاسدة، إلا أنه ما زالت هناك بعض المفاجآت غير السارّة التي تحدث من فترة لأخرى، منها ما حدث في شهر نيسان (إبريل) الماضي، عندما تقرّر إيقاف الدعم عن بعض السيارات الهجينة. وفوق هذا وذاك، ما زال الصانعون يواجهون تحديًا كبيرًا يتمثّل في صرف الهنود بعيدًا عن تعلقهم الكبير بالدراجات النارية ودراجات السكوتر، علمًا بأنّ تلك الدراجات تُباع بأقل من ١٠٠٠ دولار، وتتفوّق في مبيعاتها على سيارات الركوب بنسبة ٦ إلى ١ العام الماضي.

كان أنجح مجهود بُذل في إقصاء الهنود عن كل ما يسير بعجلتين والتعلّق بسيارات تسير على أربع، هو ما فعلته شركة تاتا موتورز الهندية قبل عقد من الزمان عندما قامت بالكشف عن طرازها نانو الذي لُقّب بأرخص سيارة في العالم وقتذاك؛ إذ بلغ سعرها عند الإطلاق ١٠٠.٠٠٠ روبية (١.٥٦٠ دولارًا). وكانت تاتا قد أنشأت مصنعًا بسعة إنتاجية سنوية تبلغ ٢٥٠.٠٠٠ سيارة، لكنها باعت فقط ٩.٠٥٤ وحدة من نانو العام الماضي، وهو ما جعلها تدرس وتقيم إغلاق هذا المشروع برمته، حسب أشخاص مقرّبين للشركة!

قد يعجبك ايضا